فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {قُلْ هُوَ القادر على أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مّن فَوْقِكُمْ} يعني: الحصب بالحجارة كما فعل بقوم لوط، والغرق كما أرسل على قوم نوح.
يعني: إن استكبرتم، وأصررتم، وكذبتم رسلي مثل ما فعل قوم نوح، أو فعلتم الفعلة التي فعل قوم لوط ثم قال: {أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} يعني يخسف بكم كما خسف بقارون ومن معه، إن استكبرتم واغتررتم بالدنيا كما فعل قارون.
ثم قال: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} يعني: الأهوال المختلفة، كما ألبس بني إسرائيل إن تركتم أمر رسولي، واتبّعتم هواكم كما فعل بنو إسرائيل {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} يعني يقتل بعضكم بعضًا بالسيف كما فعل بالأمم الخالية، إن فعلتم مثل ما فعلوا.
فلما نزلت هذه الآية قال النبي: صلى الله عليه وسلم: «يا جِبْرِيلُ ما بَقَاءُ أُمَّتِي عَلَى ذلك؟» قال له جبريل: إنَّمَا أنا عَبْدٌ مِثْلُكَ فادْعُ رَبَّكَ وَسَلْهُ لأمَّتِكَ فقام النبِي صلى الله عليه وسلم فتوضأ، وأسبغ الوضوء، فأحسن الصلاة، ثم دعا فنزل جبريل فقال: إنَّ الله تعالَى سَمِعَ مَقَالَتَكَ، وَأَجَارَهُمْ مِنْ خَصْلَتَيْنِ، وَهُوَ العَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَمِنْ تَحْتَ أَرْجُلِهِمْ.
فَقَالَ: «يَا جِبْرِيلُ ما بَقَاءُ أُمَّتِي إذا كان فِيهِمْ أَهْوَاءَ مُخْتَلِفَةٌ وَيُذِيقُ بَعْضُهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ؟» فنزل جبريل بهذه الآية: {الم أَحَسِبَ الناس أَن يتركوا أَن يقولوا ءَامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: 1- 2] الآية وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «افْتَرَقَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ عَلَى إحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفَتَرِقُ أُمَّتِي اثْنَانَ وَسَبْعُونَ فِرْقَةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إلاَّ وَاحِدَةَ» قالوا: يا رسول الله ما هذه الواحدة؟ قال: «أهْلَ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ الَّذِي أنا عَلَيْهِ، وأصْحَابِي» وفي خبر آخر: «السَّوَادُ الأعْظَمُ» وروى عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله أنه قال: لما نزلت هذه الآية: {قُلْ هُوَ القادر على أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعُوذُ بِوَجْهِ الله» فلما نزلت {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} قال: «هاتان أهون» ويقال: عذابًا من فوقكم يعني: سلطانًا جائرًا، {أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} من سفهائكم يقلبون عليكم {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} يعني: الفتنة بين المحلتين أو القريتين.
ثم قال: {انظر كَيْفَ نُصَرّفُ الآيات} يعني: نبيّن الآيات من البلاء والعذاب في القرآن {لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} يعني: يعقلون ما هم عليه. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {قَلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أن العذاب الذي من فوقهم الرجم، والذي من تحت أرجلهم الخسف، قاله ابن جبير، ومجاهد، وأبو مالك.
والثاني: أن العذاب الذي من فوقهم أئمة السوء، والعذاب الذي من تحت أرجلهم عبيد السوء، قاله ابن عباس.
والثالث: أن الذي من فوقهم الطوفان، والذي من تحت أرجلهم الريح، حكاه علي بن عيسى.
ويحتمل أن العذاب الذي من فوقهم طوارق السماء التي ليست من أفعال العباد لأنها فوقهم، والتي من تحت أرجلهم ما كان من أفعال العباد لأن الأرض تحت أرجل جميعهم.
{أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} فيه تأويلان:
أحدهما: أنها الأهواء المُخْتَلَقَة، قاله ابن عباس.
والثاني: أنها الفتن والاختلاف، قاله مجاهد.
ويحتمل ثالثًا: أي يسلط عليكم أتباعكم الذين كانوا أشياعكم، فيصيروا لكم أعداء بعدما كانوا أولياء، وهذا من أشد الانتقام أن يستعلي الأصاغر على الأكابر.
روي أن موسى بن عمران عليه السلام دعا ربه على قوم فأوحى الله إليه: أو ليس هذا هو العذاب العاجل الأليم.
هذا قول المفسرين من أهل الظاهر، وَتَأَوَّلَ بعض المتعمقين في غوامض المعاني {عَذَابًا مِن فَوقِكُمْ} معاصي السمع والبصر واللسان {أَوْمِن تَحْتِ أَرْجلِكُمْ} المشي إلى المعاصي حتى يواقعوها، وما بينهما يأخذ بالأقرب منهما {أَوَيَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} يرفع من بينكم الأُلفة.
{وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ} تكفير أهل الأهوال بعضهم بعضًا، وقول الجمهور: {وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ} يعني بالحروب والقتل حتى يفني بعضهم بعضًا، لأنه لم يجعل الظفر لبعضهم فيبقى.
{انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآياتِ} يحتمل وجهين:
أحدهما: نفصل آيات العذاب وأنواع الانتقام.
والثاني: نصرف كل نوع من الآيات إلى قوم ولا يعجزنا أن نجمعها على قوم.
{لَعَلَّهُم يَفْقَهُونَ} أي يتعظون فينزجرون.
واختلف أهل التأويل في نزول هذه الآية على قولين:
أحدهما: أنها في أهل الصلاة، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة، وأن نزولها شق على النبي صلى الله عليه وسلم، فقام فصلى صلاة الضحى وأطالها فقيل له: ما أطلت صلاة كاليوم، فقال: «إِنَّهَا صَلاَةُ رَغْبَةٍ وَرَهْبَةٍ، إنِّي سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يُجِيرَنِي مِنْ أَرْبعٍ فَأَجَارَنِي مِنْ خَصْلَتِينِ وَلَمْ يُجِرْنِي مِنْ خَصْلَتَينِ: سَأَلْتُهُ أَلاَّ يُهْلِكَ أُمَّتِي بِعَذَابٍ مِنْ فَوقِهِم كَمَا فَعَلَ بِقَومِ نُوْحٍ، وَبِقَومِ لُوطٍ فَأَجَارَنِي، وَسَأَلْتُهُ أَلاَّ يَهْلِكَ أُمَّتِي بعذَاب مِنْ تَحْتِ أَرْجلِهِم كَمَا فَعَلَ بِقَارُونَ فَأَجَارنِي، وَسَأَلْتُهُ أَلاَّ يُفَرِّقَهُمْ شِيَعًا فَلَمْ يُجِرْنِي، وَسَأَلْتُهُ أَلاَّ يُذِيقَ بَعْضَهُم بَأْسَ بَعْضٍ فَلَمْ يُجِرْنِي» وَنَزَلَ عَلَيهِ قَولُه تعالى: {الم أحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءَامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: 221]
والقول الثاني: أنها نزلت في المشركين، قاله بعض المتأخرين. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم} فيه قولان:
أحدهما: أن الذي فوقهم: العذاب النازل من السماء، كما حُصب قوم لوط، وأصحاب الفيل.
والذي من تحت أرجلهم: كما خُسف بقارون، قاله ابن عباس، والسدي، ومقاتل.
وقال غيرهم: ومنه الطوفان، والريح، والصيحة، والرجفة.
والقول الثاني: أن الذي من فوقهم: من قِبَل أمرائهم.
والذي من تحتهم: من سَفَلتهم، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
وقال في رواية أخرى: الذي من فوقهم: أئمة السوء؛ والذي من تحت أرجلهم: عبيد السوء.
قوله تعالى: {أو يلبسكم شيعًا} قال ابن عباس: يَبُثُّ فيكم الأهواء المختلفة، فتصيرون فِرَقًا، قال ابن قتيبة: يلبسكم: من الالتباس عليهم.
والمعنى: حتى تكونوا شِيعًا، أي: فرقا مختلفين.
ثم يذيق بعضكم بأس بعض بالقتال والحرب.
وقال الزجاج: يلبسكم، أي: يخلط أمركم خلط اضطراب، لا خلط اتفاق.
يقال: لَبَسْتُ عليهم الأمر، ألبسه: إذا لم أبيِّنه.
ومعنى شيعًا، أي يجعلكم فرقًا، فاذا كنتم مختلفين، قاتل بعضكم بعضًا.
قوله تعالى: {ويذيق بعضكم بأس بعض} أي: يقتل بعضكم بيد بعض، وفيمن عُني بهذه الآية ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها في المسلمين أهل الصلاة، هذا مذهب ابن عباس، وأبي العالية، وقتادة.
وقال أُبي بن كعب في هذه الآية: هن أربع خلال، وكلُّهن عذاب، وكلُّهن واقع قبل يوم القيامة، فمضت اثنتان بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة، أُلبسوا شيعًا، وأذيق بعضهم بأس بعض.
وثنتان واقعتان لا محالة: الخسف: والرجم.
والثاني: أن العذاب للمشركين، وباقي الآية للمسلمين، قاله الحسن.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سألت ربي ثلاثًا، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة، سألته أن لا يصيبكم بعذاب أصاب به مَن كان قبلكم، فأعطانيها، وسألته إن لا يسلِّط عليكم عدوًا يستبيح بيضتكم، فأعطانيها، وسألته أن لا يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعض، فمنعنيها».
والثالث: أنها تهدُّدٌ للمشركين، قاله ابن جرير الطبري، وأبو سليمان الدمشقي. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله عز وجل: {قَلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}.
هذا إخبار يتضمن الوعيد، والأظهر من نسق الآيات أن هذا الخطاب للكفار الذين تقدم ذكرهم وهو مذهب الطبري، وقال أبيّ بن كعب وأبو العالية وجماعة معهما: هي للمؤمنين وهم المراد، قال أبي بن كعب: هي أربع خلال وكلهن عذاب وكلهن واقع قبل يوم القيامة فمضت اثنتان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة، ثم لبسوا شيعًا وأذيق بعضهم بأس بعض، واثنتان واقعتان لا محالة الخسف والرجم، وقال الحسن بن أبي الحسن: بعضها للكفار وبعضها للمؤمنين بعث العذاب من فوق وتحت للكفار وسائرها للمؤمنين، وهذا الاختلاف إنما هو بحسب ما يظهر من أن الآية تتناول معانيها المشركين والمؤمنين، وروي من حديث جابر وخالد الخزاعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت {أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم} قال أعوذ بوجهك فلما نزلت {أو من تحت أرجلكم} قال: أعوذ بوجهك فلما نزلت {أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعض} قال هذه أهون أو هذه أيسر، فاحتج بهذا من قال إنها نزلت في المؤمنين، وقال الطبري: وغير ممتنع أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم تعوذ لأمته من هذه الأشياء التي توعد بها الكفار، وهون الثالثة لأنها بالمعنى هي التي دعا بها فمنع حسب حديث الموطأ وغيره، وقد قال ابن مسعود: إنها أسوأ الثلاث، وهذا عندي على جهة الإغلاظ في الموعظة، والحق أنها أيسرها كما قال عليه السلام، و{من فوقكم ومن تحت أرجلكم} لفظ عام للمنطبقين على الإنسان وقال السدي عن أبي مالك {من فوقكم} الرجم {ومن تحت أرجلكم} الخسف وقاله سعيد بن جبير ومجاهد، وقال ابن عباس رضي الله عنه: {من فوقكم} ولاة الجور {ومن تحت أرجلكم} سفلة السوء وخدمة السوء.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذه كلها أمثلة لا أنها هي المقصود، إذ هذه وغيرها من القحوط والغرق وغير ذلك داخل في عموم اللفظ و{يلبسكم} على قراءة الستة معناه يخلطكم شيعًا فرقًا بتشيع بعضها لبعض، واللبس الخلط، وقال المفسرون هو افتراق الأهواء والقتال بين الأمة، وقرأ أبو عبد الله المدني {يُلبسكم} بضم الياء من ألبس فهوعلى هذه استعارة من اللباس، فالمعنى أو يلبسكم الفتنة شيعًا و{شيعًا} منصوب على الحال وقد قال الشاعر النابغة الجعدي: [المتقارب]
لبِسْت أُناسًا فأفْنَيْتهم

فهذه عبارة عن الخلطة والمقاساة، والبأس القتل وما أشبهه من المكاره، {ويذيق} استعارة إذ هي من أجل حواس الاختبار، وهي استعارة مستعملة في كثير من كلام العرب وفي القرآن، وقرأ الأعمش {ونذيق} بنون الجماعة، وهي نون العظمة في جهة الله عز وجل، وتقول أذقت فلانًا العلقم تريد كراهية شيء صنعته به ونحو هذا، وفي قوله تعالى: {انظر كيف نصرف} الآية، استرجاع لهم وإن كان لفظها لفظ تعجيب للنبي صلى الله عليه وسلم فمضمنها أن هذه الآيات والدلائل إنما هي لاستصرافهم عن طريق غيهم، والفقه الفهم. اهـ.

.قال القرطبي:

{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ} أي القادر على إنجائكم من الكرب، قادر على تعذيبكم.
ومعنى {مِّن فَوْقِكُمْ} الرجم بالحجارة والطوفان والصيحة والريح؛ كما فعل بعادٍ وثمودَ وقومِ شعيبٍ وقومِ لوطٍ وقومِ نوحٍ؛ عن مجاهد وابن جُبير وغيرِهما.
{أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} الخسْف والرّجفة؛ كما فعل بقارون وأصحاب مَدْين.
وقيل: {من فوقكم} يعني الأمراء الظلمة، {ومن تحت أرجلكم} يعني السّفِلة وعَبيد السّوء؛ عن ابن عباس ومجاهد أيضًا.
{أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} وروي عن أبي عبد الله المدنِيّ {أو يُلبسكم} بضم الياء، أي يجلّلكم العذاب ويعمّكم به، وهذا من اللُّبس بضم الأوّل، وقراءة الفتح من اللَّبْس.
وهو موضع مشكِل والأعراب يبيّنه.
أي يَلبس عليكم أمركم، فحذف أحد المفعولين وحرف الجر؛ كما قال: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ} [المطففين: 3] وهذا اللَّبس بأن يخلط أمرهم فيجعلهم مختلِفي الأهواء؛ عن ابن عباس.
وقيل: معنى {يلبسكم شيعًا} يقوّي عدوّكم حتى يخالطكم وإذا خالطكم فقد لبِسكم.
{شِيَعًا} معناه فِرقًا.
وقيل يجعلكم فرقًا يقاتل بعضكم بعضًا؛ وذلك بتخليط أمرهم وافتراق أمرائهم على طلب الدنيا.
وهو معنى قوله: {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} أي بالحرب والقتل في الفتنة؛ عن مجاهد.
والآية عامّة في المسلمين والكفار.
وقيل هي في الكفار خاصّةً.
وقال الحسن: هي في أهل الصلاة.
قلت: وهو الصحيح؛ فإنه المشاهد في الوجود، فقد لَبِسنا العدوّ في ديارنا واستولى على أنفسنا وأموالنا، مع الفتنة المستولية علينا بقتل بعضنا بعضًا واستباحة بعضنا أموال بعض.
نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
وعن الحسن أيضًا أنه تأوّل ذلك فيما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم.
روى مسلم عن ثَوْبَانَ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله زوَى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإنّ أمتي سيبلغ مُلْكها ما زُوِي لِي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض وإني سألت ربي لأمّتي ألا يهلكها بسنَة عامّة وألاّ يسلّط عليهم عدوًّا مِن سِوَى أنفسِهم فيستبيحَ بَيْضَتهم وإنّ ربّي قال: يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يُردّ وإني قد أعطيتك لأمتك ألاّ أهلكهم بسنَة عامّة وألا أسلط عليهم عدوًّا من سِوَى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بإقطارها أو قال من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يُهلك بعضًا ويَسْبِي بعضهم بعضًا» وروى النسائيّ عن خَبّاب بن الأَرَتّ، وكان قد شهِد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه راقب رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلةَ كلّها حتى كان مع الفجر، فلما سلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته جاءه خَبّاب فقال: يا رسول الله، بأبِي أنت وأمي لقد صليتَ الليلة صلاة ما رأيتك صَليتَ نحوها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أجَلْ إنها صلاة رَغَب ورَهَب سألتُ الله عز وجل فيها ثلاث خصال فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة سألت ربي عز وجل ألا يُهلكنا بما أهلك به الأمم فأعطانيها وسألت ربي عز وجل ألا يظهر علينا عدوًّا مِن غيرنا فأعطانيها وسألت ربي عز وجل ألا يُلبسنا شِيَعًا فمنعنِيها».
وقد أتينا على هذه الأخبار في كتاب (التذكرة) والحمد لله.
وروي أنه لما نزلت هذه الآية قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لجبريل: «يا جبريل ما بقاء أمتي على ذلك»؟ فقال له جبريل: «إنما أنا عبد مثلك فادع ربك وسله لأمتك» فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ وأسبغ الوضوء وصلى وأحسن الصلاة، ثم دعا فنزل جبريل وقال: «يا محمد إن الله تعالى سمع مقالتك وأجارهم من خصلتين وهو العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم».
فقال: «يا جبريل ما بقاء أمتي إذا كان فيهم أهواء مختلفة ويذيق بعضهم بأس بعض»؟ فنزل جبريل بهذه الآية: {الم} {أَحَسِبَ الناس أَن يتركوا أَن يقولوا آمَنَّا} الآية وروى عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال: لما نزلت هذه الآية: {قُلْ هُوَ القادر على أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعوذ بوجه الله» فلما نزلت {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} قال: «هاتان أهون» وفي سنن ابن ماجه عن ابن عمر قال: «لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الكلمات حين يمسِي وحين يصبح: اللَّهُمَّ إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة.
اللَّهُمَّ إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي.
اللَّهُمَّ استر عوراتي وآمن رَوْعاتي واحفظني من بين يديّ ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بك أن أغتال مِن تحتي»
قال وكِيع: يعني الخَسْف.
قوله تعالى: {انظر كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيات} أي نبين لهم الحجج والدلالات {لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} يريد بطلان ما هم عليه من الشِّرْك والمعاصي. اهـ.